Home Ads

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

قصة الشبل و الحمل بقلم الكاتب طلال حسن



 " 1 "
ـــــــــــــــــــــ
    رأيتُ الحمل ، لأول مرة ، عندما جاء به الذئب لأبي ، وبقدر ما أحببته ، وتمتعتُ بصحبته ، تمنيتُ لو لم يأتِ به ذلك الذئب ، ولم  أره .
ويبدو أن أبي كان له موقف من الذئب ، فقد حدجه بنظرة صارمة ، وزجره قائلاً : أيها الذئب اللعين ، أراك مازلت هنا .
فجثا الذئب أمام أبي ، وقال متذللاً : عفواً مولاي ، جئتك بهدية .
 فصاح أبي : لا أريدك ، ولا أريد هديتك .
ورفع الذئب الحمل ، وأراه لأبي ، وقال : إنه حمل لذيذ ، يا مولاي .
وأشاح أبي عنه ، وقال : خذ حملك ، واذهب .
وتطلع الذئب إليّ ، ثم قال : سآكله مع صغاري ، وأغادر الغابة ، يا مولاي .
وقبل أن يخطو خطوة بالحمل ، انتفضتُ من حضن أمي ، وصحتُ بالذئب : دعه .
والتمع الأمل في عيني الذئب ، وتطلع إليّ ثانية ، وقال : حمل جميل ، لكن مولاي ..
وأسرعتُ إلى أبي ، وقلتُ : بابا ، أريد هذا الحمل .
واختلس الذئب نظرة مترددة إلى أبي ، ثم قال : مولاي .
وقال أبي للذئب ، دون أن يلتفت إليه : دع ِ الحمل ، وامض ِ إلى صغارك .
فانحنى الذئب لأبي فرحاً ، وقال : ألف شكر ، يا مولاي ، ألف شكر .

       " 2 "
ــــــــــــــــــــــــــ
     وعلى العكس مما توقعه الآخرون ، أصبحنا صديقين حميمين ، أنا والحمل ، نلهو معا طول النهار ، ومعاً نسمر في الليل ، ونأكل .. عفواً .. هاهاها .. المضحك أن الحمل لا يأكل ما آكل ، إنه يأكل الحشائش ، ويقول ، إنها لذيذة جداً ، وقد جربتها مرة ، وكدتُ أختنق، فضحكت أمي مني ، وقالت لي ، أنت شبل ، يا عزيزي ، والشبل لا يأكل الحشائش مثل الحملان . ونصحتني أن لا أخبر أبي بذلك ، وإلا غضب مني .
وذات ليلة ، سألته عن أمه ، فتنهد ، ثم قال : أمي لا تشبه أمك .
فهززتُ رأسي ، وقلتُ : هذا ما توقعته ، إن أمي تحبني كثيراً .
وتطلع إليّ مندهشاً ، ثم قال : لكن أمي أيضاً تحبني .
فهززتُ رأسي ثانية ، وقلتُ : لو كانت تحبك لما أعطتك للذئب .
واحتج الحمل قائلاً : لم تعطني أمي للذئب ، بل اختطفني عنوة ، ودافعت أمي عني ، حتى كادت تهلك .
وصمت الحمل لحظة ، ولذتُ أنا بالصمت ، فتطلع إليّ ، وقال بصوت حزين : مسكينة أمي ، لابد أنها تظن أني قد هلكتُ .
فمددتُ يديّ ، واحتضنتُ يده ، وقلتُ : لو سنحت الفرصة لك إذن لذهبت إلى أمك .
فأجاب دون تردد : طبعاً .
وتساءلت مندهشاً : وتتركني !
وتطلع الحمل إليّ ، ثم قال : لا أحب أن أتركك ، لكن ..
لم أدعه يكمل ، وأخذته بي ذراعيّ ، واحتضنتُه بقوة ، وسرعان ما تسلل النعاس إلى عيوننا ، واستغرقنا في سبات عميق .

     " 3 "
ـــــــــــــــــــــ
   لسبب لا أدريه ، ضاق أبي بالحمل ، ولم يعد يرتاح لوجوده معي ، وسمعته مرة يقول لأمي : هاهو الحمل قد كبر .
أجابته أمي : انتظر قليلاً ، يا عزيزي .
فصاح أبي غاضباً : لن أنتظر أكثر .
وبلين قالت أمي : إنه هزيل ، أمهله حتى يسمن .
تأفف أبي ، وقال : أنتِ لم تفهميني .
وأنا أيضاً لم أفهمه ، كما لم أفهم أمي أيضاً ، لكني شعرتُ بالخوف يعتصر قلبي ، وقد جاءت الأيام بما يبرر خوفي ، ففي ذات يوم ، كنا نلهو أنا والحمل ، على مقربة من أبي ، فنطحني الحمل مازحاً ، وكاد يلقيني على الأرض ، فهبّ أبي ، وصاح بي : أقتله .
تمالكتُ نفسي ، واستجمعتُ قواي ، وارتميتُ فوق الحمل ، وطرحته أرضاً ، فقد ظننتُ أن أبي يمزح ، لكنه صاح بي ثانية : أقتله .. أقتله .
ابتعدتُ عن الحمل ، وتطلعتُ إلى أبي مذهولاً ، وقلتُ : لكنه صديقي .
اشتعلت عينا أبي بالغضب ، وصاح : أيها الجبان .
ورفع يده ، وهمّ أن يلطمني ، لكن أمي أسرعت إليّ ، وأخذتني بين ذراعيها ، وقالت لأبي : لا تضربه ، يا عزيزي ، إنه مازال صغيراً .
فصاح أبي غاضباً : لن يكون أسداً إذا بقي هكذا .
وبلينها المعهود ، ردت عليه أمي : دعه لي ، دعه يا عزيزي ، وسيكون كل شيء مثلما تريد .

       " 4 "
ــــــــــــــــــــــــ
     قادتني أمي إلى العرين ، ولحق الحمل بنا ، فتوقفت أمي في المدخل ، وقالت لي : بنيّ ، أريد أن أحدثك وحدك .
وتوقف الحمل ، وتراجع قليلاً ، وقال : عفواً .
فالتفتُ إليه ، وقلتُ : انتظرني هنا ، سأعود حالاً .
وأطرق الحمل حزيناً ، ولم ينبس بشيء ، فتقدمتني أمي إلى الداخل ، وهي تقول : هيا يا بنيّ ، لابد أن نحسم هذا الأمر .
انقبض قلبي ، فلهجة أمي لم تكن تبشر بخير ، وهربت بعينيّ من الحمل ، ودلفتُ مسرعاً إلى الداخل .
وحين انفردت أمي بي ، أخذتني بين ذراعيها ، وقالت لي : بنيّ ، أنت شبل .
وقلتُ في تردد : أعرف .
فتابعت أمي : ولا يصح أن يكون الشبل صديقاً لحمل .
قلتُ محتجا : لكني .. أحبه .
ردت أمي : أنا أيضاً .. أحبه .. أحبه كثيراً .
وتطلعتً إلى أمي ، دون أن أجيب بشيء ، فتابعت قائلة : وستحبه مثلي ، حين تتذوقه .
وانتفض قلبي ، وصحتُ مستنكراً : ماما .
فقالت أمي : إنه لذيذ .
صحتُ : لا تقولي هذا .
هزتني بنفاد صبر ، وقالت : تذكر ، أنت شبل .
تملصتُ من بين يديها ، وأنا أصيح : لا .. لا .. لا .. لا .
فتقدمت مني ، وقالت : لقد كبر ، وسمن ، وسنتغدى به غداً .
لذتُ بالهرب ، وأنا لا أكاد أتمالك نفسي ، وما إن رآني الحمل ، حتى أسرع إليّ ، وتساءل مذهولاً : ما الأمر !
فتطلعت إلى عينيه ، وقلتُ : لا شيء ، يا عزيزي ، لا شيء .

       " 5 "
ــــــــــــــــــــــــــ
     حلّ الليل ، وراحت النجوم تتلامع في السماء ، وكالعادة غط ّ الحمل في نوم عميق ، ورقدتُ إلى جانبه ، وأغمضتُ عينيّ ، لكني لم أنم ، وكيف أنام والحمل في خطر ؟
ومن بعيد ، تناهى نعيب بومة ، وارتفع غطيط أبي وأمي ، إنهما مستغرقان في نوم عميق ، وهذا ما أريده ، فتحتُ عينيّ ، وتطلعتُ حولي ، لابد أنه منتصف الليل ، لقد أزف الوقت ، مددتُ يدي ، وهززتُ الحمل برفق ، فتململ الحمل قليلاً ، وتمتم في نومه : سأنطحك ، لن تغلبني .
هززته ثانية ، وهمستُ في أذنه : هيا .. استيقظ .
فتح الحمل عينيه ، وتطلع حوله ، وقال : نحن في منتصف الليل .
لم أدعه يكمل ، فقد وضعتُ يدي فوق فمه ، وهمستُ له : هش .
تمتم بدهشة : ما الأمر ؟
أمسكتُ بيده ، وقلتُ بصوت خافت : هش ، تعال معي .
قدته بهدوء إلى خارج العرين ، وحين انفردتُ به ، قلتُ له بصوت يوحي بالخطورة : لقد آن لك أن تمضي إلى أمك .
والتمعت عيناه في الظلام ، وتساءل مندهشاً : أمي !
أجبته : نعم ، وبسرعة .
احتج قائلاً : لكنك قلت فبل أيام ..
 قاطعته : دعك مما قلته .
ودفعته أمامي برفق ، وقلتُ : أنت تعرف الطريق .
فتلفت حوله بخوف ، وقال : أعرفه ، لكني أخاف السير وحدي ليلاً في الغابة .
دفعته ثانية ، وقلتُ : لا عليك ، سأرافقك .
سار أمامي بخطوات مضطربة ، وهو يتمتم : أنت تحيرني .
وسرتُ في إثره ، وقلتُ : هيا ، لابد أن نصل ، قبل شروق الشمس .
وقبل أن تطل الشمس ، من وراء الأفق ، وصلنا مشارف الغابة ، فتوقف الحمل ، وأشار إلى كوخ صغير بين الأشجار ، وقال : أمي هناك .
لذتُ بالصمت لحظة ، ثم قلتُ : حسن ، هيا ، امض ِ ، امض ِ .
تطلع الحمل إليّ ، وقد اغرورقت عيناه بالدموع ، وتساءل : ألن نلتقي ثانية ؟
هززتُ رأسي ، وأنا أغالب دموعي ، واتسعت عيناه ، وصاح : لكن لماذا ! نحن أصدقاء .
لم أعد أتمالك نفسي ، فتراجعتُ إلى الوراء ، وأنا أقول بصوت باك : ستعرف هذا في المستقبل ، وداعاً ، يا صديقي ، وداعاً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سامبوك

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ عن التركيز على الشكل الخارجي للنص أو شكل توضع الفقرات في.الصفحة التي يقرأها. ولذلك يتم استخدام طريقة لوريم إيبسوم لأنها تعطي توزيعاَ طبيعياَ -إلى حد ما- للأحرف عوضاً عن استخدام "هنا يوجد محتوى نصي، هنا يوجد محتوى نصي" فتجعلها تبدو (أي الأحرف) وكأنها نص مقروء




تعليقات

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *