قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الخامس
استعادت الفتاة وعيها لتجد نفسها مكبلة الأيدي والأقدام وبمنزل والدها الراحل، تساءلت عن سبب قدومها لتجيبها زوجة أبيها: “لقد أخرجتكِ من المستشفى بعدما تعرضتِ لحادث على الطريق”.
تذكرت حينها ما حدث معها فصاحت قائلة: “لقد كانت ابنتك سببا في ذلك، لقد صدمت الخادم وأفقدته حياته”.
وضعت زوجة أبيها يدها على فمها قائلة: “لن أدعكِ ترحلين من هنا، وسأفعل كل ما أقدر عليه حتى أحمي ابنتي من السجن”.
ببكاء ونحيب قالت الفتاة: “إنني يجب علي أن أذهب إليه الآن، إنه في أمس الحاجة لي”.
زوجة أبيها: “أخشى أن تكونِ قد تأخرتِ كثيرا”.
الفتاة: “ماذا تقصدين؟!”
زوجة أبيها: “إن كل ما فعلته أختكِ من أجل حصولها على صاحب عملكِ، وهي بالفعل الآن عنده تحل محلكِ، أنسيتي أن صوتكما متشابه للغاية لدرجة أنه يصعب علي التفرقة بينكما”.
لم تتمكن الفتاة من فعل أي شيء إلا البكاء، فهي مكبلة الأيدي والأقدام وهناك شريط لاصق على فمها بالإضافة إلى جروحها إثر سقوطها.
وفي الوقت ذاته كانت أختها بالفعل حلت محلها، فأول ما فتح عينيه رآها وتأكد أنها هي الفتاة التي أحبها وتمنى صدقا أن يراها، وبعد تعافيه تماما عادا للمنزل سويا، وبنفس اليوم طلب يدها للزواج وأعطاها خاتما ثمينا من الألماس وتقرر زواجهما خلال شهرين.
عادت الأخت فرحة لتبشر والدتها، أول ما وصلت دخلت الحجرة على أختها لتزيدها هما على همها…
الأخت: “لقد طلب الزواج مني (وهي تريها الخاتم)، إنه يحبني للغاية ولا يحتمل بعده عني ولو لثانية”.
الفتاة: “لقد خدعته فهو بقلبه الطاهر لا يستحق أن يكمل حياته مع إنسانة مثلكِ”.
لطمتها بقلم على وجهها وغادرت، تبادلت الحديث مع والدتها، وكانت الفتاة على مسمع من كلمة منهما…
الأخت: “إياكِ أن تدعيها تخرج، فإن خرجت يا أمي السجن حتما سيكون لي”.
الأم: “لا تقلقي، أهم شيء عليكِ أن تتزوجي منه بأسرع وقت ممكن وتحملي بابنه حينها فقط يمكننا تركها، أو ربما نجعلها تسافر خارج البلاد”.
الأخت: “أنتِ حقا طيبة القلب، لقد سجلت اسمها بالفعل بأحد مواقع الزواج، ستتزوج من أجنبي ولن يكلفنا ذلك شيئا، وسترحل عنا بعيدا للأبد”.
الأم: “لقد أثبتِ حقا أنكِ ذكية للغاية”.
وخرجتا معا لشراء الملابس والإكسسوار اللازم ليوم الزفاف؛ تمكنت الفتاة من حل وثاقها والهرب بعيدا لتذهب إلى مجموعة صاحب عملها لتعلمه بالخطة المشينة التي تتم من خلف ظهره، وما إن رأته وست نفسها حتى حال بينه وبينها جسدها الذي أصبح هزيلا لا يقوى على أي شيء من قلة الطعام والنوم وكثرة البكاء والحزن، كاد يقترب منها ليرى ما بها هذه الآنسة التي سقطت أمامه أرضا ويساعدها حتى حالت بينه وبينها موظفته التي كانت ترغب في أن تريه شيئا.
نقلت الفتاة إلى المستشفى وهي في حالة مزرية، لترى أمامها عندما تستعيد وعيها زوجة أبيها الظالمة…
زوج الأب: “رأتكِ جارتنا هنا فأعلمتهم عن هويتك، وطلبوا مني القدوم لاصطحابكِ”.
الفتاة وهي تشير إلى قلبها والدموع تنهمر من عينيها: “إنه يؤلمني كثيرا لدرجة أنني لا أحتمل”.
زوجة أبيها تشير إلى قلبها أيضا: “إنه يؤلمني أيضا، أتعلمين أن أختكِ حاولت الانتحار، بأنها أول ما علمت بأنكِ فررتِ من المنزل قفزت من على السطح، ولولا أنه كان من مسافة يسيرة لكانت قد فقدت حياتها؛ إنكِ بما تفعليه تسأليها حياتها فهي الآن ملكت كل شيء ولن تتنازل عن أي شيء إلا بموتها”.
الفتاة: “أريد أن أعرف شيئا واحدا، لم كل هذه المعاملة السيئة منكما؟!، على الرغم من أني لم أفعل معكما أي سوء، لم تعاملونني دوما هكذا؟!، أعدكِ بأنني لن أعترض طريقها مرة أخرى، وأنني لن أتفه بكلمة واحدة تدينها”.
زوجة أبيها: “لا أعلم كيف أشكركِ فعلا”.
الفتاة: “ولكن ما أعلمه حقا هو أنني منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنتِ لم تعتبرينني فردا من عائلتكِ”
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء السادس الأخير
بعدما عرفت الفتاة قيمتها وقدرها لدى كليهما خرجت من حياتهما والتزمت بالوعد الذي قطعته على نفسها، سكنت لدى إحدى صديقاتها القدامى، وأول ما حصلت على فرصة تقديم لوظيفة لم تتردد ثانية، حملت سيرتها الذاتية وذهبت طلبا للوظيفة (مدرسة للرسم في رياض الأطفال) حلم حياتها…
المدير: “من دواعي سروري أن بسيرتك الذاتية خبرة بالموارد البشرية من واقع عملكِ كمساعدة لصاحب أكبر المجموعات ضخامة بالبلاد”.
الفتاة: “ولكنني متقدمة لطلب التحاقي بوظيفة مدرسة الرسم يا سيدي”.
المدير: “في الواقع إن وظيفة الموارد البشرية هي التي أحتاجها منكِ بشدة لتدعيم المشاريع التي تدمج بين شركتنا الصغيرة ومجموعته الكبيرة”.
الفتاة خطر ببالها: “للمرة الثانية أتنازل من أجل المال، فإنني لا أملك عملا ولا مكانا للعيش به، وهذه الوظيفة راتبها مجزي للغاية، إنني أكره المال الذي دائما يجعلني أتخلى عن مبادئي، وصاحب العمل لم يرني فلن يتأكد من حقيقة هويتي مطلقا وبذلك ألتزم بوعدي”.
الفتاة للمدير: “نعم أوافق يا سيدي”.
بأول يوم بعملها بالمجموعة دخلت مكتبه لتترك ملفات في غاية الأهمية عن عملها، رأت فوق مكتبه صورة له ولأختها كما لاحظت بسلة المهملات دجاجا مسكوبا به وعلى المكتب كرزا لم يتناول منه واحدة فحدثت نفسها: “إنه يكره الدجاج ولا يتناوله أبدا، ولديه أيضا حساسية من الكرز”.
باليوم التالي جاءت ومعها برتقالة بيدها وقد وضعتها بكل حب على مكتبه ورحلت دون أن يراها أحد، لقد تصرفت تلقائيا بمحبته الساكنة بقلبها، وأثناء اجتماع تم عقده كانت تحضر به الفتاة م تدرك نفسها وهي شريدة البال طوال الاجتماع إلا وقد أنهت رسمه تفصيليا، وعندما انتهى الاجتماع وهي قائمة من مقعدها سقطت منها الورقة المرسوم بها حبيبها، ووقعت هذه الورقة في يده…
وباليوم التالي جمعت بينهما صدفة، كانت تضع البرتقالة على مكتبه فاستوقفها قائلا: “أأنتِ من يضع لي البرتقال يوميا، ومن أين لكِ أن تعلمِ أنها (البرتقالة) المفضلة بالنسبة لي؟!، وثانيا بعدما أخرج من يده الورقة (المرسوم بها وجهه) التي وقعت منها، أجزم أنكِ مغرمة بي سرا؟!، إنني أحب خطيبتي أبعد مما تتصورين، أتختبرين إخلاصي؟!، أطمئنكِ فإنني مخلص لها ولن أنظر لغيرها لذلك أأمركِ بأن توقفي كل حركاتكِ للإيقاع بي، لأنها لن تفلح معي، يمكنكِ الرحيل ولكن أحذركِ إن تكرر منكِ شيئا مماثلا ستتحملين كل العواقب الوخيمة ولن أعفو عنكِ حينها”.
كل ذلك الكلام الموجع لقلبها ولكنها مازالت صامتة لا تتحدث عن وجعها إلا دموعها؛ وكان أغرب شيء أنه بنفس اليوم جمعت بين ثلاثتهم صدفة وجودهم جميعا بالمصعد، حبست الفتاة المسكينة دموعها ولكن أختها تعمدت إثارة جنونها وشغفها بمن تحب، فأخذت تداعبه أمامها، وكانت هناك نظرات منذرة بالشؤم من أختها تدل على أنها ما تزال تكن لها المزيد من المشاكل…
وما إن انشغل صاحب العمل بموظفيه ومجموعته حتى ذهبت الأخت إلى الفتاة تحذرها على أمل أن تعرف منها حقيقة كونها بالشركة، تطور الكلام بينهما حتى لطمتها بصفعة على خدها كعادتها التي تعودت عليها منذ الصغر، ولكن الفتاة لم تعد تتحمل أكثر من ذلك فردت إليها الصفعة، ولكن كانت سيئة الحظ فلم تتحمل أختها الصفعة حتى سقطت وارتطمت رأسها بحافة حادة، وقتها كان صاحب العمل صدفة مارا فشاهد كل ما حدث، كانت الفتاة تنزف دما من فمها إثر اللطمة ولكن خطيبته ساقطة على الأرض دون أن يتفوه بكلمة واحدة حملها بين يديه وأسرع بها إلى المستشفى، أول ما اطمئن عليها أرسل في طلب موظفته التي تثير المشاكل والتي تجرأت على رفع يدها وإصابة من يحب بمكروه…
صاحب العمل: “لن أغفر لواحدة مثلكِ تسببت في أذية حبيبتي، ما دوافعكِ التي جعلتكِ تؤذينني في الإنسانة الوحيدة التي أحبها، ادعِ من الله أن تسترد عافيتها قريبا وإلا لن أرحمكِ؟!”
الفتاة: “أنا لم أضمر لها أي حقد في قلبي هي من لطمتني أولا”.
صاحب العمل: “إنها حقا طيبة القلب ولا تؤذي أحدا مهما فعل معها، أنت قلتِ لنفسكِ عندما فشلتِ في كل محاولاتكِ لجذب انتباهي تجاهكِ أفضل شيء أن يخسر حبيبته”.
الفتاة: “سيدي هل أنت متأكد بأن هذه السيدة هي حبيبتك الحقيقية؟!”
صاحب العمل: “وبأي حق تسألينني سؤالا مثل ذلك؟!”
الفتاة: “أتساءل حقا إن كانت عيناك قد شفيت يا سيدي”.
صاحب العمل: “ماذا تقصدين؟!”
الفتاة: “ما يراه كل منا بقلبه هي الحقيقة الكاملة أما ما يراه كل منا بعينيه ما هو إلا مجرد عرض”.
صاحب العمل: “اخرسي ولا تنطقي بكلمة أخرى، ولا تجعليني أراكِ بأي مكان مجددا وإلا ستندمين ندم لم تندميه يوما”.
رحلت الفتاة عن عالمه نهائيا، عادت إلى المدرسة لتعمل بها ليست كمدرسة رسم ولكن كخادمة، لقد كان قلبها جريحا مازال ينزف دما ودمعا، وبيوم زفافه دق جرس هاتفه ليكشف عن حقيقة قلب فتاة مسكينة طيبة القلب أحبته لشخصه ولم تحبه لماله ولا سلطانه، لقد استعاد وعيه وأول شيء فعله اتصل على صاحب عمله وقص عليه كل شيء؛ ندم على كل ما فعله مع حبيبة قلبه الأصلية ولكنه لم يكن له ذنبا في ذلك.
اتصل بالشرطة وبلغ عنها، وبيوم زفافها تم القبض عليها لمحاكمتها ونيل جزائها، حمل في جيبه الخاتم وتذكر حلم حياة الفتاة الوحيد وهو أن تصبح مدرسة رسم وتذكر النزهة عندما خرجا سويا لتذهب به إلى المدرسة، لقد كان حينها أعمى ولكنه كان متذكرا لكل تفصيلة صغيرة، وبالفعل تمكن من الوصول وبرر لها كل ما فعله معها، وطلب منها الزواج ووافقت، وعوض كلا منهما الآخر عن كل القسوة التي رآها بحياته يوما بكل الحب الذي يحملانه لبعضهما البعض..
.
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الاول والثاني
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الثالث والرابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق