قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الثالث
قطعت الفتاة عهدا على نفسها بأن تساعده بكل ما أوتيت من قوة…
حاولت جاهدة جعله يترك الكرسي المتحرك، فمنذ فقدانه لبصره وأصبح ملازما لذلك الكرسي، لم يتقبل حقيقة كونه أعمى فلم يستخدم عصا لتساعده أثناء سيره، ولم يتعلم لغة الأكفاء؛ استخدمت هذه الفتاة الذكية الكثير من الحيل حتى جعلته يسير على قدميه من جديد والتي بدت كأنها عاجزة، اهتمت كثيرا بكل شئونه.
وذات يوم جاء ليخبرها بإلزامية حضورها لحفل زفاف معه، لقد كان حفل زفاف الفتاة التي لطالما أحبها ولم يحب غيرها؛ حاولت الفتاة خلق الكثير من الأعذار ولكنها لم تفلح في ذلك؛ في النهاية استعدت وتهيأت للذهاب معه، انتظرها طويلا وأخيرا قدمت بثوب قد تمزق إثر سقوطها على الأرض…
صاحب العمل: “ماذا ترتدين؟!، هل ارتديتِ ملابس الفقراء الخاصة بكم؟”
الفتاة ترددت في الإجابة كثيرا ولكنها ظهر على ملامحها الضيق والبؤس من شخصيته التي لا تتغير مطلقا: “لا يا سيدي”.
وأثناء حفل الزفاف بعدما أتم العروسان مراسم الزواج لمحت العروس حبيبها السابق ومعه فتاة جميلة، ساقها الفضول تجاهه لتسأله عن حاله وبالأخص عن الفتاة التي معه…
العروس: “لم أتوقع منك تلبية دعوة زفافي، أما زلت تلومني على فعلتي؟!”
صاحب العمل: “لا ألومكِ بل بالعكس كليا أريد أن أشكركِ فلولا ترككِ لي لما وجدت في طريقي حب حياتي الصادق”.
العروس التفتت إلى الفتاة الجميلة: “سررت بلقائكِ”، وأرادت أن تسلم عليها بيدها لكنه لم يترك يدها من الأساس.
تضايقت العروس كثيرا ندما على ما تركته يوما فعبرت عن غضبها بإساءته وإساءة الفتاة التي معه…
العروس اقتربت منه كثيرا وهمست في أذنه: “معكَ حق فلو كان بإمكانك الرؤية لرأيت ملابسها الممزقة، أتقنعني بأنها حب حياتك الصادق أم إن ذوقك تدنى من يوم تركتك فأصبحت ترضى بكل وأي شيء، لن أصدقكَ مطلقا” وانصرفت.
استشاط غضبا وعلى الفور ترك يد الفتاة وكاد أن يسقط أرضا بسبب اصطدامه، لحق به خادمه والفتاة من خلفه…
الفتاة: “ما الذي أزعجك هكذا يا سيدي؟”
صاحب العمل: “لكوني لا أرى تفعلين بي هكذا، تقللين من شأني وقيمتي أمام الجميع، ألم أسألكِ عن ملابسك؟!”
الفتاة: “إنها ملابسي يا سيدي ولا أخجل من فقري”.
أمرها بخلع هذه الملابس فأبت، فهم بجعلها تخلعها بنفسه…
الفتاة بصوت مرتفع: “إنه غرورك المريض يا سيدي هو من يقلل من قيمتك وشأنك أمام الجميع، لقد سئمت منكَ ومن معاملتك القاسية معي”.
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الرابع
ذهبت الفتاة إلى حجرتها لتلملم أغراضها، وكانت عيناها تفيض من الدموع تحسرا وندما على حالها، في الوقت نفسه جاء الخادم: “ما الذي تفعلينه؟!، أتنوين الرحيل؟!”
الفتاة: “لقد طردني صاحب العمل”.
بتعجب ودهشة سألها: “كيف يعقل هذا وقد جعلني أحول مالا إلى حساب والدتكِ”.
الفتاة بفرحة: “هل حقا حولت مالا على حسابها؟”
الخادم: “ليس ذلك فقط، بل فعل لأجلكِ الكثير”.
الفتاة: “ما الذي تعنيه؟، لأجلي فعل الكثير؟!”.
الخادم: “رافقيني وستعلمين كل شيء”.
من شدة فرحتها بما رأت كاد قلبها يغادر من مكانه، لقد رأت خزانة مليئة بملابس على أحدث صيحات الموضة العالمية؛ ارتدت فتلألأت وصارت كنجمة لامعة في السماء…
كان حينها صاحب العمل يجتمع بموظفيه اجتماعا بمنزله خاصا بشئون عمل مجموعاته، وجاءت الفتاة بطلعتها تنزل على السلالم واجدة تلو الأخرى تخطف أنظار كل الموجودين، شعر حينها بالسعادة الغامرة لقد وطأ حبها بقلبه، فلقد رأى فيها أجمل امرأة وأحن قلب عليه.
بعد رحلة سفر للخارج دامت لمدة ثلاثة أسابيع عادت زوجة الأب وابنتها لتزورا الفتاة التي وأخيرا ذاقت للحياة معنى، أول ما رأت أختها الملابس التي ترتديها بدأت مشاعر الغيرة والحقد تدب بقلبها، أما عن زوجة أبيها فبدأت تساورها الشكوك حول نزاهة الفتاة، الفتاة: “لا تقلقا كل ذلك ما هو إلا عبارة عن شراء رجل ثري لغطاء سيارته”؛ لكن أختها لم تكتفِ بمشاعر الغيرة والحقد بل ضمرت بينها وبين نفسها أن تحولها إلى أفعال.
وبيوم من الأيام لاحظت الفتاة سكونه وحزنه الذي لا يريد أن يصرح به، فدعته إلى الذهاب معها في نزهة وعندما رفض استفزته بطريقتها الخاصة التي لطالما تعود عليها…
استقلا حافلة وذهبت معه إلى المدرسة التي تعلمت بها، وصارحته بحلم حياتها وهي أن تعمل مدرسة رسم برياض الأطفال، وسألته عن حلم حياته فأجابها: “لا أريد إلا أن أراكِ وأرى مدى جمالكِ”.
اشتدت حمرة خدي الفتاة من خجلها، اقترب منها في هدوء وبكل رقة طبع على شفتيها قبلة حارة، لقد برهن بها عن مدى حبه لها وطلب منها الزواج، لم تستطع الفتاة الشعور بقدميها من شدة الفرحة التي غمرتها فأمسك بها.
وجاء اليوم التالي وقد قدم طبيبه الخاص يحمل معه البشرى، أنه وأخيرا قد وجد قرنيتين مناسبتين له، وأنه سيجري له العملية صباح اليوم التالي، سعدت الفتاة بهذا الخبر كثيرا حيث أنه وأخيرا سيتمكن من الرؤية مجددا، ولن يوجد شيء يعكر عليه صفو حياته من جديد…
صاحب العمل: “فرحتكِ مبكرة للغاية”.
الفتاة: “ستجري العملية الجراحية وستنجح بمشيئة الله”.
بفرحة وابتسامة: “ادعِ الله ألا أغير رأيي عندما أراكِ”.
الفتاة: “أهم شيء عندي أن تستعيد بصركَ مجددا، والباقي كله بالنسبة لي لا يهمني في شيء”.
بيوم إجراء العملية…
رافقته ويدها بيده، لقد شعرت بأنه يحمل عبئا ثقيلا على كتفيه، حاولت جاهدة أن تخلصه من حمله الثقيل ضحكا سويا وتطرقا إلى أحاديث ممتعة وشيقة أخرى، تكلما حول كل شيء إلا عن العملية الجراحية، عندما اشتد خوفه ضمته بين ذراعيها محاولة طمأنته، وها قد حان وقت إجراء العملية، جلست تنتظره على أحر من الجمر، ولكن فجأة دق جرس هاتفها، رقم غريب لترد عليه فتجد أحدا يعلمها بأن أختها قد دخلت المستشفى وحالتها حرجة للغاية تتأرجح بين الحياة والموت، سقطت الدموع من عينيها لاحظها الخادم الأمين فسألها عما يبكيها، فقصت عليه القصة، أشار عليها بأن يوصلها إلى المستشفى حيث أنها كانت بمكان نائي للغاية، وسيصلان قبل انتهاء عملية صاحب العمل.
بمجرد أن وصلا إلى المكان المقصود وترجلا من السيارة جاءت سيارة أخرى بسرعة تفوق الوصف في اتجاه الفتاة، فما كان من الخادم غي أنه أنقذ حياة الفتاة معرضا حياته للخطر، لقد اصطدمت به السيارة فسقط طريح الأرض بين الحياة والموت، أما عن الفتاة فقد دفعها بيديه كيلا يصيبها مكروه فاصطدمت رأسها بالأرض وقبل أن تفقد وعيها بالكامل شاهدت أختها تنزل من السيارة التي كانت سببا في قتلها، لقد كانت تتعمد قتلها؟!.
صعد سيارته وتركها بالشارع بمفردها، ظلت مكانها تبي وتذرف دموع الحسرة على ما آل إليه حالها، وعندما استعادت جأشها أخذت تسير هائمة في شوارع المدينة حزينة شريدة الخاطر…
رن هاتفها: “نعم يا سيدي”.
صاحب العمل: “أين أنتِ؟”
الفتاة: “اعذرني يا سيدي ولكني لن أتمكن من خدمتكَ ثانية”.
صاحب العمل: “أتريدين الاستقالة؟!”
الفتاة: “يكون كرما من سيادتك”.
صاحب العمل: “لكِ ما تريدين”.
صرخت بمنتصف الشارع فرحا بحريتها أخيرا من غطرسته وغروره ومعاملته التي لا يقبل بها أحد، ولكن دائما ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فدق جرس هاتفها مرة أخرى وها هي زوجة أبيها: “أنا وأختكِ محتجزين بالخارج، إننا بالشارع ف نملك المال الكافي لاستئجار غرفة بفندق ولا نملك ثمن تذاكر العودة”.
الفتاة: “ماذا تقولين يا أمي؟، لقد قدمت استقالتي للتو”.
زوجة أبيها: “تصرفي أم لأنني زوجة أبيكِ ستتخلين عني وعن أختكِ، تذكري أنني قد ربيتكِ”.
سالت الدموع من عينيها لأنها شعرت بكسرة النفس، عادت على الفور إلى منزل صاحب العمل…
صاحب العمل: “لماذا عدتِ ثانية؟!، ألم تطلبي استقالتكِ؟”
الفتاة: “سامحني يا سيدي، أعلم أنني كنت فظة للغاية في ردي عليك فأعفو عني رجاءا”.
لم يرد عليها وهم بالرحيل، فواصلت توسلها: “أعدك بأني سأطلع على مجلات صيحات الموضة حتى أكون كفء لخدمتكَ يا سيدي، أتوسل إليكِ يا سيدي ألا تطردني”.
الفتاة داخل نفسها: “إنني عار بالكامل على نفسي، ألست صغيرة للغاية على تقديم التنازلات من أجل الحصول على المال، كل ذلك بسبب زوجة أبي وابنتها”.
ذهبت الفتاة إلى حجرتها لتلملم أغراضها….
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الاول والثاني
قلبكِ مأواي الوحيد الجزء الخامس والسادس والاخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق